من أجل حضانة أطفال
بسم الله الرحمن الرحيم
-
سلامي لكم أيها السادة الكرام وأرجو أن تصل هذه الرسالة إلى القادرين أو المسئولين عن الصحة في دولتنا المصرية لأنه موضوع حساس جداً من الدرجة قبل الأولى..ـ
-
القاهرة بأكملها لا توجد فيها سوى حضانة أطفال واحدة
-
نعم ، هذه المقولة صحيحة : القاهرة ذات الـ 18 مليون مواطن لا يتوفر بها إلا حضانة (بتشديد الضاد) أطفال حديثي الولادة والعدد 1 هذه القصة حدثت ونحن في استقبال مستشفى الأطفال بالدمرداش منذ أيام قليلة وللأسف لا يوجد في مصر من يراقب مثل هذه الأحداث ، وللأسف أيضاً الأهالي لا يشتكون مما يحدث
الطفلة مروة عمرها خمسة عشر يوماً جيء بها إلى استقبال الأطفال وهي في حالة سيئة ، أولاً هي مولودة ووزنها 1,800 كجم ثانياً ولدت قبل ميعادها بالشهر السابع ثالثاً أخطرت الأم أثناء حملها أنها تحتاج إلى حضانة فور ولادتها (ولكنها لم توضع لعدم وجود أماكن) رابعاً حالتها عند الوصول كان يرثى لها ، المنظر ضعيف جداً والتنفس أضعف، تحليل الدم يظهرعدد الصفائح الدموية 36،000 والطبيعي من 150 إلى 400 ألف ، كذلك عدم قدرتها على الرضاعة والنمو ، المكان الفقير الذي يعيشون فيه بالقاهرة مليء بالتلوث والعدوى ، كان من الطبيعي في ظل تلك الظروف أن تأتي إلى هنا وبتلك الهيئة
جاءت الطفلة مروة الساعة الحادية عشرة صباحاً والأمل في وجود حضانة إما بمستشفى الأطفال أو بمستشفى النساء والولادة أو بأحد غرف الرعاية ، الرد : لا يوجد
ماذا نفعل ؟ هل نتركها تموت ؟ الرد : هي ميتة أصلاً (كيف ولا يزال يوجد تنفس ونبض ؟ الرد : لا أعلم) المهم أنها قد وضعت في ما يشبه حضانة ( التشبيه الأدق مقبرة) ضوء مصباح مسلط على جسدها الضعيف ، قناع أكسجين أطفال موضوع على أنفها الصغير ، طبيب امتياز يأتي لسماع النبض وقياس التنفس كل ربع ساعة والأهل موجودون لا يدرون ماذا يفعلون إلا دموع سقطت من أعين الأب والأم والجدة
واحد ابن حلال ( أو واحدة بنت حلال ) أخبرهم ( أو أخبرتهم ) بأن يتصلوا بمستشفى فيها حضانة أطفال جميل جداً ، هناك أمل والحمد لله .. من أين نأتي بأرقام الهواتف ؟ من لدى السويتش الخاص بالمستشفى
عامل السويتش : والله ائتوني بأسماء المستشفيات وأنا أعطيكم أرقامها ، عادت الجدة مرة أخرى إلى الاستقبال لتقول : عامل السويتش يطلب أسماء المستشفيات
النائب : أعطيه اسم مستشفى د.فوزي (لاحظوا أعطتها اسماً واحداً ) المهم ذهبت الجدة إلى عامل السويتش
عامل السويتش : رقمها 123..الخ (رقم افتراضي) وطبعاً بعد أن أهانها بكلمتين ودون أن تشتكي السيدة المسكينة
اتصلت بالهاتف .. يرد الاستقبال: ابعثي أحداً ممن معك للذهاب إلى هنا وأعطاها العنوان في عجلة فلم تسمعه جيداً قبل أن يغلق السماعة
النائب : اذهبي إلى السويتش واطلبي عنوان المستشفى
راحت الجدة إلى العامل وأسمعها جملتين غير ظريفتين قبل أن يعطيها العنوان ، وبالفعل ذهب الأب إلى هناك...ـ
استقبال مستشفى فوزي : والله نحن نحتاج 2000 جنيه قبل الحساب وبعدين ندخلها ؟؟؟؟؟؟؟؟ لا تعليق
رجع الأب بعد أن أخبرهم بالهاتف بما حدث .. الرجل لا يملك هذا المبلغ وإلا لمـا رجع ولأخبرهم بإحضارها إلى المستشفى ، الجدة : والنبي يا دكتورة أعطيني اسم مستشفى آخر
النائب (بعد أن أدركت أن العائلة لا تملك نقود المستشفيات الخاصة) : اسألي عن المستشفيات الحكومية وأعطتها أسماء مستشفيات المطرية والشهداء ومدينة نصر
ذهبت الجدة إلى عامل السويتش ، الرجل غير موجود ، فانتظرت ربع الساعة حتى أتى وفي يده سيجارة لم يتحدث سوى بعد أن فرغ من تدخينها ثم قال: هو أنا فاضيلك يا ست انتي هو مافيش في المستشفى غيرك ؟ الله يلعن أبو .... بلاش نكمل ما قال حتى لا تحدث كارثة
المهم الجدة بعد هذه الجرعة الكافية من الشتائم والإهانات أخذت الأرقام وهي تبكي وطبعاً بعد أن توعدها العامل ألا يعطيها أرقاماً أخرى إذا أتت إليه ثانية ، المهم اتصلت وكانت النتيجة: 2/1 (2 لا يوجد أماكن مقابل 1 لصالح لا يرد) نتيجة عادلة بحق
رجعت الجدة إلى الاستقبال وكان هناك أحد الأطباء الامتياز رفع الله من قدره بحق ، كان مع أحد المرضى يتابعه أثناء الأشعة وعاد إلى الاستقبال لإخبار نوابه بالنتيجة ، وفوجئ بوجود تلك الطفلة ملقاة على السرير ولا أحد مهتم بها (بارك الله في لا أحد على اهتمامه الشديد) وأخذ يسأل ما القصة فحكي له ما حدث
الرجل فار دمه نتيجة هذا الإهمال وقال للجدة تعالي معي ، وتوجه بها إلى السويتش ليجد العامل النوبتشي نائماً
طبعاً العامل أحس بصوت غريب داخل الغرفة فاعتقد أنه رئيس القسم فاستيقظ فوراً ليجد طبيب الامتياز واقفاً أمامه: أيوه يا دكتور
طبيب الامتياز وبأدب وهدوء شديدين : معلش يا ريس الست دي غلبانة وعندهم بنت محتاجة لحضانة واحنا عايزين جميع أرقام المستشفيات اللي عندك
العامل طبعاً كان لا زال في بداية الاستيقاظ من النوم : فبمجرد ما أخرج الدفتر ببطء كان طبيب الامتياز وبسرعة شديدة ينقل أسماء المستشفيات وأرقامها من الدفتر ليعطيها للجدة المسكينة
الطبيب خرج مع الجدة إلى التليفونات وأخذ يتصل هـــو شخصياً بالمستشفيات (طبعاً النواب مش فاضيين والبرود هو السمة الرئيسية في التعامل) فكان لابد من صاحب الضمير أن يتنازل عن مبادئ المعطف الأبيض (المستحدثة في هذا الزمن) ويرتدي مبادئ الإنسانية
النتيجة بعد الاتصال بـ6 مستشفيات كانت 6/صفر لصالح فريق لا يرد (عمار يا مصر)ـ
وفي وسط تلك المعمعة خرجت الخالة : سمعت من النائب وهي تتحدث بالهاتف أن هناك حضانة بمستشفى النساء ، الرد السريع الذي اتخذته زميلنا الامتياز الممتاز هو أن قال لها : تعالي معي إلى مستشفى النساء وأخبر الجدة وهو متجه إلى هناك أن تكمل اتصالاتها بأماكن الحضانات
مستشفى النساء بالدمرداش لها نظام أمني محكم وممنوع الدخول حتى للأطباء إن لزم ، المهم لا تدري كيف فتح الله على زميلنا ذلك وتمكن من الدخول ومعه الخالة إلى أحراش مستشفى النساء وتوجه إلى المحضن وهناك دار الحوار التالي
زميلنا : أريد التحدث إلى النائب
الممرضة : هو مش موجود هنا
زميلنا : أين هو إذاً
الممرضة : دور عليه
من المفترض طبعاً أن بعد كلمة دور عليه أن يخرج زميلنا ليبحث عن نائب المحضن ولكن فوجئ بعد ثانية واحدة فقط بخروجه من داخل إحدى غرف الطرقة التي ادعت الممرضة أنه غير موجود فيها !! يا حلاوة المهم توجه إليه
زميلنا : دكتور فيه حالة معنا وأنا من استقبال مستشفى الأطفال
نائب المحضن : تقصد حالة الدكتور عبد الفتاح
زميلنا : أعتقد ذلك ، هي طفلة وعمرها خمسة عشر يوماً و... المهم حكى القصة له بالتفصيل
نائب المحضن : المهم أحضر لي الأب حتى أتحدث معه
أرسل زميلنا الخالة إلى أسفل طبعاً بعد أن أخبرها بإحضار الأب (وكان إدخاله إلى مستشفى النساء صعباً) المهم في ذات اللحظة كان نائب المحضن موجوداً داخل غرفة الحضانات مع زميلنا العزيز يخبره ويشهده أنه لا يوجد حضانة خالية ولكن من أجل دكتور عبد الفتاح سوف يحاول تجهيز حضانة ولكن في خلال من نصف ساعة إلى ساعة
زميلنا اقتنع ولو أنني لا أدري كيف سيتم ذلك المهم عاد إلى الاستقبال ليفاجأ بالتالي
الطفلة مروة ، قلبها وتنفسها توقفا ، وتم تركيب أنبوبة للتنفس وبدأ النائب يضغط على صدرها للإنعاش بطريقة إنعاش القلب والتنفس( للذين من خارج الوسـط الطبي) أو بطريقة
Cardio Pulmonary Resuscitation (CPR)
للذين هم في الوسط الطبي
المهم الساعة كم صارت ؟ الخامسة و... (بلاش تكمل وكم لأن الطفلة جاءت منذ الساعة الحادية عشر صباحاً)ـ
و بعد أن عاد التنفس وضربات القلب ولكن أضعف من البداية وأخذ أحد الزملاء الآخرين بارك الله فيه في إجراء تنفس صناعي للطفلة ، قال زميلنا للنائب : يوجد مكان واحد والمفترض تجهيزه وهو بمستشفى النساء
النائب : حلو جميل ( أنا لا أعرف ما هو الحلو والجميل في وجهة نظرها ولكن تابعوا الحوار)ـ
زميلنا : يقولون أنه سيتم خلال نصف ساعة لأن دكتور عبد الفتاح قد أوصى على تلك المريضة
ووقع الرد كالصاعقة على رأس طبيب الامتياز
ردت النائب : آه .. أنت تشعر أن ضميرك يؤنبك الآن
زميلنا : لماذا
النائب : هناك حالة أوصى عليها دكتور عبد الفتاح وهي التي يجهز لها الآن مكان الحضانة
زميلنا : وأين هي تلك الحالة
النائب : لم تأت بعد
زميلنا : إذاً وهذه الطفلة
النائب (ببرود غريب ) : خلاص ماهي كده كده ميتة
سقط في كف زميلنا وبدا غير قادر على التصرف ، الحالة في الفترة التي يمكن إنقاذها فيه ، صحيح أن أمامها ساعات قليلة ولكن أيضاً يمكن إنقاذها
وجاءت الساعة السادسة ، لتسأل الجدة : النصف ساعة خلصت مش حينقلوها
زميلنا وهو لا يدري كيف يرد : انتظري لحظات
خرج دقائق قليلة ليفكر ثم عاد ، لقد اتصل بمستشفى أحمد ماهر التعليمي وببعض المستشفيات الأخرى (لا داعي لذكر أسماء لم ترد على الهاتف من الأساس) المهم أن مستشفى أحمد ماهر هي الوحيدة التي رد نائبها وأخبرته بوجود مكان واحد فقط وأنها بانتظار المريضة في سيارة إسعاف مجهزة
بعد أن عاد وجدها ماتت للمرة الثانية ، وبدأوا في إفاقتها وبالفعل عادت مرة أخرى لكن أضعف وأصبحت الحالة غير قابلة للرجوع بعد ذلك
الرد كان للأهل أن حضانة مستشفى النساء لم يتمكنوا من تجهيزها وأن هناك حضانة في مستشفى أحمد ماهر وأخطرت النائب بالموضوع فقالت : أخبروا المعاون على البوابة بالاتصال بإسعاف المستشفى
اتصل زميلنا من هاتف المعاون بإسعاف المستشفى ليتم هذا الحوار
زميلنا : نريد سيارة إسعاف مجهزة لطفلة في مستشفى الأطفال للذهاب بها إلى مستشفى أحمد ماهر
إسعاف المستشفى : عمرها كام
زميلنا : خمسة عشر يوماً
إسعاف المستشفى : عادية أم مجهزة
زميلنا : لا طبعاً مجهزة وبها أكسجين
إسعاف المستشفى (ورده هو بالفعل الواقع المرير) : مجهزة ؟ صعب جداً ، لا يوجد مجهز .. السيارات اللي عندنا كلها علي عوض
زميلنا : نعم ؟؟ـ
إسعاف المستشفى : معلش يا باشا اللي عندنا كله مجرد ينقل العيان وبس وهو ده اللي موجود ، ممكن تطلب إسعاف القاهرة
اتصلوا بإسعاف القاهرة 123 وعلى ما وصلوا في الثامنة و.. كانت الطفلة توجهت إلى الرحمة الإلهية بعيداً عن عذاب الدنيا وعن بكاء كل الحاضرين (ما عدا نواب القسم) وسبحان الله
ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ
ـ
انتهت القصة المأساوية ولا أدري ما هو الحل أيها الكرام
معقول !! القاهرة كلها فيها مكان واحد فقط ؟ وهل يعقل أن دولة بحجم مصر أن يحدث مثل هذا الإهمال والتأخير فيها
أنا لا أشتم ولا أعيب في أحد ، لكن المطلوب الآن من المسئولين أن يأخذوا هذا الموضوع مكان الجد ، لأن مصر أصبحت وبمثل هذا الموقف الذي يتكرر يومياً بجميع مستشفياتها من أعلى دول العالم في نسبة وفيات الأطفال حديثي الولادة
أنا لا أعلم بالضبط ما هو السبب الرئيسي.. هل هو الفقر ، هل هو الزحام ، هل هو التلوث ، أم البطء أم الإهمال أم عدم توافر الإمكانيات أم ماذا ؟ أم كلهم يتساوون في رئاسة هذا السبب ؟ الله أدرى وأعلم
أنا أتمنى من وزارة الصحة أن توفر عدداً من حضانات الأطفال وبالمجان في جميع مستشفياتها ، ويكون أضعاف الرقم الموجود حالياً ، والله هو المتوكل عليه
أنا أتمنى من جميع أطباء مصر أن تكون فيهم شجاعة وإنسانية زميلنا طبيب الامتياز الذي لم أذكر اسمه والذي نال دعوات من أهل المريضة بأن يكرمه الله ويوفقه نتيجة وقوفه معهم في أزمتهم وعدم تنحيه أو تثنيه عن مساعدتها
أنا أتمنى من الرسالة أن تصل إلى مستويات أعلى حتى لا تتزايد أمثال هذه القصة وأن نقف كلنا بشجاعة ضد ما يحدث في مصرنا الحبيبة
وأتمنى أخيراً من كل من قرأ الرسالة أن يدعو للطفلة مروة بالرحمة والمغفرة لدى الله عز وجل وأن يدعو لكل أطفال مصر والعالم العربي الذين ماتوا بمثل هذا المرض دعاء بالرحمة والمغفرة بإذن الله
والثواب من عند الله